الدكتور يسري جبر.. بين مشرط الجراح ومنابر الهداية
في زمنٍ كثرت فيه التيارات المتشددة وضاعت فيه معالم الاعتدال، يبرز نموذج فريد يجمع بين الدقة العلمية والروحانية العميقة؛ بين مشرط الجراح ومنبر العالم.
الدكتور يسري جبر ليس مجرد طبيب بارع ولا مجرد عالم أزهري، بل هو شخصية استثنائية صنعت لنفسها مكانة في القلوب والعقول، بما حملته من رسالة عنوانها: الوسطية مع الحزم، الرحمة بلا تسيّب، والوضوح بلا غلو.
طبيب من الطراز الأول

بدأت رحلته العلمية في المدارس الحكومية، حتى التحق بكلية الطب بجامعة القاهرة، حيث تخرّج عام 1978م بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف. لم يتوقف طموحه عند هذا الحد، فحصل على ماجستير الجراحة العامة وجراحة الأوعية الدموية في نوفمبر 1983م، ثم نال دكتوراه الجراحة العامة من جامعة القاهرة عام 1991م.
كان مشرطه في غرفة العمليات أداة حياة، ويداه بارعتين في إنقاذ الأرواح، لكنه لم يكتفِ بأن يكون جراحًا للأجساد؛ أراد أن يكون طبيبًا للقلوب والعقول أيضًا.

من كليات الطب إلى رحاب الأزهر

بعد أن بلغ قمة النجاح الطبي، اختار طريقًا آخر بجانبه؛ طريق العلم الشرعي. التحق بجامعة الأزهر ودرس علوم الدين على أيدي كبار العلماء، وتلقى علومه من مشايخ أجلاء مثل: الشيخ محمد الحافظ التجاني، والشيخ محمد نجيب المطيعي، والعلّامة المغربي عبدالله بن الصديق الغماري.
لم يكتفِ بالدراسة النظرية، بل انغمس في حلقات العلم، حتى صار من أبرز من شرح صحيح البخاري وصحيح مسلم، ودرّس الفقه الشافعي، والسيرة النبوية، وعلوم التصوف الصحيح، واضعًا نصب عينيه تنقية التصوف من البدع، وإحياء روح الإحسان كما عاشها الأوائل.
مسجد الأشراف… قلعة ضد التطرف
بفكره المعتدل ومحبته للعلم، جعل من مسجد الأشراف بالمقطم منارة حقيقية للعلم الشرعي، وقلعة ضد الفكر المتطرف، حيث توافد طلاب الأزهر من شتى أنحاء مصر ومن المغتربين ليجدوا في دروسه العلم الرصين بلا غلو، والدين في أبهى صوره. هناك، اجتمع الشرح الدقيق بروحانية الذكر، وأصبحت حلقاته قبلة لكل من يبحث عن الفهم الصحيح
.
وسطية مع حزم… سرّ الجاذبية
ما جعل الدكتور يسري جبر مختلفًا عن غيره، هو قدرته على الجمع بين الرحمة والحزم؛ فهو وسط في فكره، بعيد عن الغلو والانحلال، لكن حازم في كل ما يتعلق بحدود الله. هذه السمة جعلت الآلاف يجدون فيه الأمان الفكري، ويقبلون على مجالسه بشغف؛ لأنها لا تقدم خطابًا جافًا ولا وعظًا سطحياً، بل علمًا مؤصلًا وروحًا متزنة.
لقد أحبّ الناس الالتزام من خلاله، وأحبّوا الذكر وحلقات العلم لأنهم وجدوها عنده نقية، بلا تشدد ولا انغلاق.
كما اصبح اليوم الدكتور يسري جبر من أبرز الأسماء في الساحة الدعوية، شيخًا يثق فيه المريدون، وعالمًا يمثل مرجعية لطلاب الأزهر وللباحثين عن الدين الصحيح. جمع بين خبرة الطبيب وفصاحة الداعية، ليؤكد أن التقدم العلمي لا يتناقض مع التدين الراقي، وأن الاعتدال هو صمام الأمان للأمة.
رسالة اعتدال وحب

في عالم يموج بالتناقضات، يظلّ نموذج الدكتور يسري جبر شاهدًا على أن الدين ليس غلوًا ولا تفريطًا، وأن العلم إذا اقترن بالأخلاق صار حياة. لذلك أحبّه الناس، وازدحمت مجالسه بالقلوب قبل الأجساد؛ لأنه قدّم لهم ما يبحثون عنه: دينًا بلا تشدد، وعلمًا بلا تعقيد، وروحًا بلا ابتذال.


More Stories
تهنئة السفير محمد العرابي بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير
الأكاديمية المصرية بروما تطلق “المسلات المصرية.. في روما”
ورشة عمل بالأكاديمية المصرية بروما للمصريين والعرب في ذكرى نصر أكتوبر